الخميس، 23 نوفمبر 2023

المقدمة لثبتي تسهيل طلابة المجير والمجاز والمستجيز بمروياتي وقارئ هذا الكتاب عاما للإستفادة

الحمد لله الذي يبارك على هذه الأمة ويفضّلها بسلسلة العلم والعلماء جيلا بعد جيل من امتياز قيم وحفظ حصين عن تحريف الغاوين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. اللهم صل وسلم وبارك على سيد الأنام وخير الكونين مولانا حبيبنا محمد الذي ينتهي به أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا وعلى آله المطهَّر تطهيرا كما صليت وباركت على خليلنا أبينا إبرهيم وعلى آله المصطفى. في العالمين إنك حميد مجيد.

أما بعد، فتأليف الثبت والفهرسة ومعجم الشيوخ من سنن الأئمة الأعلام والمسندين الأجلاء الذين يهتمون بحفظ الرواية والأسانيد التي من خصائص هذه الأمة الشريفة. وإني صاحب القصور وذا العيوب وأحقر العباد وأذل الطلاب راغب في الاقتفاء بآثارهم وإن لا أك مثلهم. فهذا التأليف هو الذي أرجو أن يبقى الغفور الرحيم المحسن جل ذكره النفع به جاريا إلي يوم المعاد وكذلك في تآليفي غير هذا.

والذي أبذل جهدي في هذا الكتاب هو تجديد في منهج تصنيف الثبت ومما سلك هذا المسلك ولا أتبع ما حصله المتقدمون والمعاصرون المنتحلين لما صنع المتقدمون كما رأى القارئ بين يديه. ومن أظهر الأمر هو لا يكرر ذكر الأسانيد المسرودة من قبل ويكتفي بموضع آت ذكر "أرويه بأسانيد إلى فلان" أو "أرويه نحو ما تقدم إلى فلان" أو ما أشبه ذلك حتى صعب لنا البحث فيه عن موضع المتقدم المقصود أو فلان المراد منه، لا سيما إذا كان ذلك الكتاب كثيف ضخم فزادت الصعوبة زيادة. وأحيانا هذا من سبب الملل في التكرار وتيسير المؤلف نفسه لإكمال تأليفه على سرعة وتوفير الوقت.

إذا كان ذلك، فعلينا تجديد في تدوين المرويات ومنهج التأليف ليصلح نقصانات من المتقدمين وهم قد بترعوا بالخير لهذه الأمة على ما استطاعوا وما أدركوا في بيئتهم بتعزيز جودته وليسهل البحث عن المرويات والإجازات التي قصده القارئ بالجمع المنظم لينفعهم به ولا يعيد ما صنعه آخرون في الصعبة. وهذا ما فيه أسعى وأرجو أن الله يبلغ مقصدي برحمته ورضوانه.

وقبل أن أشرع في سرد مروياتي، ينبغي لي أن أبيّن منهج تأليف هذا الكتاب لتسهيل الاستفادة منه. فالأول، أكرر سرد الأسانيد لتعدد الكتاب ولو مائة مرة. هذا ما يفرق بين كتابي وكتاب غيري وهم إذا رووا كتابا آخر أو مرة أخرى بنفس السند، لا يسردون كاملا وقالوا قد تقدم ذكر سنده أو علقوا سنده اختصارا ولا يُعْلِمُونَ أين موضع الذي قالوا قد تقدم حتى يصعب لنا البحث عنه وبخاصة إذا أردنا أن نروي تلك الرواية.

والثاني، هم أيضا إذا رووا كتابا آخر أو مرة أخرى بنفس السند، لا يسمى أسماء وافية أو واضحة كما تقدم اختصارا حتي نعلم من هم أو لأنهم قدروا أنا نعلم من هم. فأنا على هذه السبيل إذا كان من الرواة المشهورة الذين يعلمهم الطالب الصغير حتى يكفى بي ذكرا لألقابهم أو أسماءهم المختصرة أو نسبتهم إلى بلادهم أو أُسَرِهم أو أقوامهم أو غيره اختصارا. فإن كان غير أولئك، أزيد ما وفاه بالتعريف والعلم بهم. فإن لم أدر من هم، أبقي ما ورد وأعتذر من قصوري وأسأل الله العفو والعافية.

والثالث، رتبت قائمة المرويات للكتب خاصة بترتيب الهجائية الرقمية نحو ما جرى في الحاسوب. فإذا أراد الكتاب المسمى بالمنظومة مثلا، فليبحث في الألف التي يتعامل كما الهمزة في أول ترتيب الحروف، لا في الميم كما جرى مجرى طريق البحث في الكتب الذي لا يؤثر إدخال المعرف بالألف واللام في الترتيب.

والرابع، لا يجب على كل مجاز خصوصا أن يروي نحو ما رويته في هذا الكتاب إن كان عنده أقل الرواة في الإسناد بطريق غيري وهو عال، فليقدم العالي على النازل مني. وما في هذا إنما لتسهيل الرجوع إلى المصادر، لا سوق رواتي فقط.

والخامس، ليس كل إسناد في هذا الكتاب عال. فبعضه نازل بأسباب. ومنها ليس لي فرصة في تلقي علوه عن شيخ مباشرة الذي أعاصره حيا عند التسجيل هنا وليس لي خيارا إلا وأن أروي نحو ما تلقيت. ومنها قد يجيزني مجيز إجازة خاصة بمعين عن شيخ من أشاركه في إجازته أو لي أعلى منه فأصر أن أكتبها هنا تقديرا له في الإجازة لي. وهذا على مقام التسجيل فحسب. وإني إذا أردت أن أجيز ذلك المعين، أروي بطريق أعلى كالعادة إن كان عندي ما صح لي روايته أو إجازته أو بما من مسموعاته.

والسادس، وجب عليَّ أن أنبه القارئ على أنه إن وجدت أني رويت كتابا جمعت فيه مرويات شيخ ليس من مؤلفاته أو بعبارة أخرى ليس من التأليف بيده، بل هو جمع غيره مروياته وتخريج غيره عليها، أردت المرويات التي في ذلك الكتاب، لا الكتاب نفسه إلا إذا كان لي إجازة من الجامع أو المخرج. فانتبه أيها القارئ الكريم.

والسابع، لا أقتصر على ذكر مروياتي في هذا الكتاب. وأزيد تعليقات ببعض المواضع وما أرى منفعة لذكره بغير تطويل كتصحيح أخطاء الأسماء في الإسناد وقد عمل هذا أحمد الغماري في كتاب البحر العميق في مرويات ابن الصديق مثلا أو كبيان حال الكتاب وغيرهما.b

والثامن، الكتاب الذي يبقى في حال المخظوط وليس له المطبوع أو لا يوجد بصيغة PDF أو لا يتاح في الأسواق لا أرويه هنا وإن كان مؤلفو الأثبات قد رووه وقد ذكر في ترجمته أو ذكر المؤلف نفسه لأنه لا فائدة للإجازة بما صعب في تحصيله. فمقصد الإجازة هو تبرك بمسلسة وِرَاثة الكتاب المتصلة جيلا بعد جيل إلى أيدي قراءه، ولا جمع السند وحده. إلا من يسطيع قراءة الكتاب المخطوط فإجازتي إياه بما ثبت روايته وإن لم أسرد إسناده في هذا الكتاب. ولكن البحث عنه بحث بكسب نفسه رجوعا إلى الأثبات التي يمكن التوصل إلى ما يحتاج ولا أعاونه.

فمثلا بعض المراجع التي عمدة في الأسانيد لمروياتي هي من كتاب فتح العزيز في أسانيد السيد عبد العزيز وارتشاف الرحيق من أسانيد عبد الله بن الصديق كليهما لمحمود سعيد ممدوح والبحر العميق في مرويات ابن الصديق والمعجم الوجيز للمستجيز كليهما لأحمد بن محمد بن الصديق الغماري، ثم الأثبات التي ذكرت في هذا الكتاب. لكن عدد منها لم أجد إلا المخطوطات دون المطبوعات وليس له صيغة PDF أو لا متاح في الأسواق. فهذه لا أسوقها في هذا الكتاب. فإن طبع بعضها ذات يوم ولم أُحَدِّثْ هذا الكتاب أو يستطيع المجاز والمستجيز أن يقرآ، فليبحث أحدٌ عن سنده في تلك الكتب أو غيره بما يمكنه أن يجد إسناده.

والتاسع، إني جمعت المرويات في الأثبات بنسخ أسانيدها مرة أخر ليسهل طلابتها واستفادتها في موضع واحد. فينبغي لكل من قرأ هذا الكتاب أن يفتش بمصادره وأن يقارن بين ما كتبت وما كان فيها قبل أخذه وروايته خشية أن في هذا الكناب خطأ مني وأستغفر الله في قصوري وغفلتي.

والعاشر، أُحَدِّث مضامين هذا الكتاب وقتا بعد وقت إذا حصلت مرويات جديدة أو الكتاب الذي كان في حال المخطوط قد طبع أو كان لا يوجد في صيغة PDF أو لم يُتِحْ في الأسواق ثم قد أُتِيحَ في صيغته أو في الأسواق أو إذا وجدت أخطاء في هذا الكتاب فأصححها. وكل من أجيزه بهذا الكتاب يشمل بما أجدده في المستقبل. والمجاز يجوز له أن أسألني إن حَدَّثْتُ هذا الكتاب بمنصة متيسرة للاتصال.

وأرحب قارئ هذا الكتاب بأن يجيزني بالأثبات والكتب إجازة عامة أو خاصة أو تدبجا ولو كانت نازلة لأزيد طرق أسانيده فيه وكي يستفيد القراء الآخرين بالتنوع الكثيرة لأسانيد يحصلونها. فإني أريد أن أجعل هذا الكتاب قلب المرجع الميسر للحصول عليها أهل عصري ومن بعده من المجيزين والمجازين والمستجزين والقراء عامة.

والحادي عشر، أضع بعض الروابط التشعبية التي يمكن القارئَ نقرُها إلى ما يناسب بها من منافع لتسهيل البحث عنه وتبليغ ما فيه طاب. لمستعمل الكمبيوتر أو اللابتوب، عليه النقر في الرابط التشعبي. ولهما أيضا أن يضغطا CTRL + F للبحث عما تضمن هذا الكتاب من الكلمة أو الاسم أو غيرهما.

تم بيان منهج هذا الكتاب بحمد الله جل علا. فالتالي ما أحببت أن أشاركه من فوائد وأرى أن هذا مهم لذكره لقراء هذا الكتاب وإن عرفوه من قبل قديما أو سمعوه أو قرؤه كثيرا. فعلى كل حال، عسى الله أن يجعله نافعا لكل قراء.

فالأول، صحة الرواية في هذا العصر لا يشترط فيها مدى الصحة التي في الصناعة الحديثية لأن رواية هذا النوع إنما للتبرك، لا للحجة الشرعية إلا إذا اتضح أنها لم يثبت ومردودة. فمنها وراية كتاب لا تصح نسبة الملك إلى مؤلفه كبعض كتب أبي حامد الغزالي فلا معنى من شيء من رواية جميع مؤلفات صاحبها لإثبات صحتها

فمنها التدليس الفاحش الذي ينفي ثبوت التحمل ووعدم الغرائب والتفردات ونحوها مما يقتضي المنكر أو الشاذ. فلا تضر رواية من ظهر لنا التدليس كمن قال أنه أجاز له شيخ عامة، لكن أراد بالعامة عامة لمن أدرك حياته، لا عامة بما صح له روايته ولم يجز الشيخ بالطريق العادي كالمشافهة التي سمعه مباشرة أو المكاتبة المخصوصة له أو المناولة أو الاستدعاء. فإن اختلف بعض الناس في قبول الرواية بها ويوجب هذا التدليس عند الظهور عليه كراهةَ بعض من يمنع الرواية بها، لكن لا تقدح ثبوت إجازته وروياته. وكذا من قال أجاز شيخ لذرية فلان وهو منها، لكن لم يولد عند لفظ إجازة الشيخ أو كتابتها وهذه إجازة للمعدوم وهي مما اختلف الناس في قبولها وتبين أن الشيخ أجاز لمن سيولد منه أو لذرية ممن يدرك حياته وهو لم يصرح بها إيهما للناس أنه ذرية فلان المولودة عند إجازة الشيخ لفظا أو كتابة.

نعم كان هناك تدليس فاحش كمن ادعى معمر أنه مجاز من بدر الدين محمد الدمشقي على الاحتمال، لا على الظن في الأقل. وقال لازم والدُه بدرَ الدين وصحت إجازتهم لوالده ويفترض أن من الممكن أن أجاز لأولاده. نعم صح أنه أجاز بدر الدين لمحمد بن جعفر الكتاني ولأولاده، لكن لا يلزم من إجازته لمحمد الكتاني ولأولاده إجازته لولد والده الذي لازمه وصحت إجازته له. فصحة الرواية مبنية على الظن في الأقل. وهذا إن لم يجاوز حد الكذب، فما زال من التدليس الفاحش مضر روايته ولا تقبل.

ومما أثار الاهتمام بهذه المسألة أني قد رأيت من اتهم محمد ياسين الفاداني بالتدليس. وجدت كاتبا كتب مسألة إجازة محمد فؤاد عبد الباقي ومشكلة رواية الفاداني عنه تكون مطلبا للمناقشة في وسط مقاله وهو ناقل عن قائلين في هذه المسألة .وأعيّن أنه قائل أول: "أنه يروي وجادة دون أن يفصح وكذلك يروي بإجازة أهل العصر دون أن يوضح أحيانا". وقال: "وأيضا هو مدلس أحيانا وواسع الرواية. فيبقى الأمر على أننا ننظر في كتبه. فإذا وجدنا أنه مجاز من الشيخ المحقق، فغالبا وجادة أو بإجازة أهل العصر وإذا لم نجد. وقال أحد تلاميذه الضابطين للمسألة بذلك نتطالبه بالحجة أو دليل ذلك وألا يكون الأمر قائما مع البحث حتى نرى ما نجزم به الرواية أو ننفيها". انتهى كلامه.

وقال ثان: "ذكر بعض طلبة الشيخ محمد ياسين الفاداني أنه يروي كتاب اللؤلؤ والمرجان إجازة عن صاحبه المحقق محمد فؤاد عبد الباقي وعند البحث والتحقيق لم نجد ما يثبت صحة رواية الفاداني عن محمد فؤاد ولا ما يدل على وجود اتصال رواية بين هذين الفاضلين ومستغرب عدم إيراد الفاداني ذكر إجازة أو اتصال بينه وبين محمد فؤاد عبد الباقي مع أن الفاداني لا يكاد يفوته مشهور في بلد ما إلا وحاول الاتصال به والرواية عنه ولقد ذكر أناسا قد أذهبوا دينهم في اتباع منظمات ضالة مضلة مثل الشاعر الداعر جميل صدقي الزهاوي الذي نفته عائلة الأفاضل العلماء الزهاويين بتبرئهم منه لفساده وفساد عقيدته فمثل هذا وجدنا للفاداني رواية له عنه مما يثبت عدم تحريه في الأخذ ولا تحققه من بعض الرواة الذين روى عنهم. ولما وجد مثل هكذا غرائب وعجائب في مرويات الفاداني على سعة وكثرة أسانيده لذا وجب التحقق من مروياته وصحة متصلاته قبل النقل عنه ولو لحديث واحد". انتهى كلامه.

وقال ثالث: "ثَمَّ أمر لا بد من الالتفات إليه وهو أن فؤاد كان نادر الأصدقاء، بل كل من نظر في ترجمته وجد أنه كان -تقريبا- جلس بيته ولا يخرج إلا نادرا لزيارة أخته وشراء بعض أغراضه. وصداقته إنما كانت لرشيد رضا. فقد لازمه من ١٩٢٢ إلى وفاته رحمه الله. ومجالسته مع محدث وادي النيل أحمد شاكر معروفة ولم يثبت أن أيا منهما أجاز الآخر مع اهتمام شاكر بالرواية. ولم أجد أن عبد الباقي أثبت أنه أجيز أو أجاز. كما أن يوسف المرعشلي لم يذكر عبد الباقي في جملة شيوخ الفاداني وقد أوصلهم إلى ٧٠٠ في أول الروض الفائح. ورجل بقدر وجلالة عبد الباقي لا يسقط سهوا .وقد سألت التكلة عن هذه الرواية فبين لي أنه لم يهتد إليه بمراجعته لأثبات الفاداني الموسعة. فالعوامل النافية أكثر بكثير من المثبته". انتهى كلامه.

وقال رابع: "ومسالة رواية الفاداني رحمه الله عن محمد فؤاد عبد الباقي أثيرت قديما وكذا روايته عن محمد عبد الله دراز. فالأول لا يوجد دليل على ثبوت روايته عنه. ولو صحت، لذكره الفاداني كعادته في ذكر مشيخته في كثير من كتبه ورسائله وإجازاته. حتى من أثبتها من تلاميذ الفاداني رحمه الله أظنه انفرد بذلك. وقد سألت جمع لا بأس به من طلابه وبعضهم لهم عناية بالرواية فنفوا. وهذا كما ذكرت قديما. حتى شيخنا البحاثة يحيى الغوثانى حفظه الله كان قد جمع جمهرة كبار شيوخه الفاداني في مقال قديم بحثت فيه فلم أجده ذكر عبد الباقي". وقال: "طيب، هنا وقفة لو ثبتت إجازته منه، هل مثل عبد الباقي لا يذكر وقد ذكر الفاداني من هو أقل علما وقدرا منه؟" .انتهى كلامه

ونقل كاتب عن بدر الدين العتيبي قائلا في اعتراض روايته عن محمد فؤاد عبد الباقي: "لا أعلم بإجازة محمد فؤاد عبد الباقي للفاداني. وهذا يحتاج لإثبات بين. والفاداني متكلم في صحة الرواية عن جماعة. لذلك حبذا التأكيد من صحة ذلك". ونقل أيضا عن محمد السمطي المصري: "الفاداني لا يروي عن محمد فؤاد عبد الباقي ولا يوجد ما يثبته أنه يروي عنه".

واتهمه أحدهم بأن أتى بغرائب كثيرة وقال قائل آخر: "ومن أراد الرواية من طريقه، فليقتصر على مشايخه الحجازيين الذين لازمهم مثل عمر بن حمدان وطبقته. فأما تفرداته فلا يرو عنه بها .ومن ذلك أنه أغرب جدا في روايته عن كثيرين مثل شكيب أرسلان وخير الدين الزركلي وفؤاد عبد الباقي وأحمد الحملاوي ومنصور علي ناصف والقائمة طويلة فلا يروى عن هولاء من طريقه". انتهى قوله.

هذا لا يضر روايته. وقد ذكرت أن مدى صحة الرواية في هذا العصر لا يحتاج إلى التشديد الذي يكون في الصناعة الحديثية. إذا كان شروط صحة الحديث هي اتصال السند بنقل عادل ضابط تام عن مثل ذلك بلا شذ ولا علة إلى من أضيف إلى الحديث، فكان الفرق بين وشروط صحة الحديث وشروط صحة الرواية في العدالة التامة والشاذ. وأريد بتام العدالة سلامة الراوي من الفسق وخوارم المروءة. ففي هذا العصر لا يشترط سلامة الراوي ويقال له المسند في هذا العصر من الفسق إلا الكذب. وإن سرق وزنى ودعى إلى البدعة غير المكفرة وجمع فيه كل فسق إلا الكذب، لم تقدح إجازته من المشايخ وروايته. وأما الشاذ، لا يُرد وإن كانت روايته متكلم فيها ولها مشكلة وانفردت مؤثرة للعجيب والغريب إلا أن تبين أنه خطأ أو وهم أو لم يثبت أصلا ولو على غلبة الظن بقرائن مقبولة.
فلهذا، لا سبب لجرح ياسين الفاداني حتى يُرَدَّ جميع مروياته نظرا لمقصد نوع هذه الرواية وهو تبرك. تكفي معاصرة بين الراويين وإن لم يكن بنظر لحظة في ذلك ثبوت لقائه احتمالا أن أخذها بكتابة أو مراسلة وصحةٌ في التحمل قراءة أو سماعا أو إجازة أو مناولة أو كتابة وصدق في الظاهر الذي يطابق نبذة الذاتيته. وهذا كاف ولا احتمال نقض صدقه له ظنا كان أو أقل منه إلا غلبه قوة الظن بقرائن مقبولة. وبعبارة أخرى إذا قال أخذ هذه الإجازة عن شيخ، فلا حاجة للاستقصاء كما عُمِلَ في الصناعة الحديثية ونستغنى بأن بينه وبين الشيخ معاصرة وإن كانت في لحظة أن بينهما مقيمين بالبلدين المختلفين إلا تبين أنه لا وجه لبثوت التحمل بدون تعمق في التفتيش هل هو أخذها قراءة أم غيرها وما المراد بإجازة عامة أو أهو بمراسلة أم تلقٍّ بمجلس معه في وسائل التواصل أم غيرها وأنَّ له صدقا في روايته مطابقا للواقع وحسن الذاتية. فإن قال قائل أخذها عن شيخ حين زار هذا البلد وكان لم يعرف في اللغة العربية والشيخ لا يتكلم إلا بالعربية وليس مع الشيخ في مدة حياته مترجم لكلامه، فهذا نوع لا يطابق نبذة ذاتتيه فمردود لا محالة بقرينة مقبولة.

وياسين بحمد الله ورفع تبارك وتعالى دراجاته ليس من هذا. فنحن الآن لا نتكلف حكمه كما عملنا في رجال الحديث. وقد قال القائل الأول متكلما عنه: "الأصل في الفاداني الصدق". وزاد: "أنكر على من يقول بكذب مسند العصر الفاداني في بعض رواياته إذ لو ثبت كذبه ولو في رواية سقطة كل روايته ولم تقبل في بعض الشيوخ دون بعض، فلا فرق". وهذا يكفي في قبول روايته لا مشاحة في الفضلة إلا إذا وجدنا أخطاء واضحة أو قرينة يصلح بها ردها.

وأزيد في الرد على احتمال عدم أخذها عن محمد عبد الباقي بأن أسرد قول الكاتب للخلاصة في آخر المقال: "فالمعاصرة ممكنة وواضحة في أكثر من عقد كما تشاهدون مشايخي. ولو لم يثبت أن الفاداني جاء إلى مصر وأن المحقق لم يذهب لمكة، فيوجد كثير من إجازات الفاداني بالمراسلة وبطلب مشايخه له الإجازة من الآخرين. فمع إمكان المعاصرة ووجود مراسلات بين أهل العلم في هذا الوقت وطلب المشايخ إجازات لطلابهم. فالأمر ممكن جدا وبقي ما يثبت ذلك ولو بشهادة تلميذ فاهم في الباب. والله اعلم".

وأنقل عن القائل الثالث: "فنحن بحاجة أصلا لإثبات أن فؤاد أجاز أي شخص الفاداني أو غيره" بعد أن قال ما نقلت سابقا. فرد عليه الكاتب: "أظن -والله أعلم- إن لم يكن الخطأ من التلميذ -بارك الله فيه- وهو شيخنا، فالغالب بعد البحث أن ثبت شيء سيكون وجادة". فقال الثالث: "حتى لو وجادة يا سيدي هل ثبت أن الفاداني أصلا صرح بالرواية عن عبد الباقي حتى نثبت مطلق الرواية؟ اللهم إلا إذا كان ذلك مشافهة منه". فقال الكاتب: "نعم شيخنا الحبيب. عجل الله لنا بتحقيق ما نتمنى". وقال الكاتب ردا على الرابع: "نعم شيخي. هي عجيبة جدا. ولعلها وجادة إن ثبتت. الله المستعان".

فهذين يتفقان معنىً في توجيهي كما سبق، بل عين محل عرضي لتأييد رأيي. والحمد لله حمدا كثيرا طيبا. قلت فاحتمال المشافهة كاف بصحة روايته وإن لم يذكره من أسماء مشيخته في كتبه وإن لم يذكر من بعده في ترجمته أو لم يدر من بعدهم من تلاميذه أنه من مروياته لأنه يطابق نبذة ذاتيته، بل جملتها والفاداني لا يكاد يفوته مشهور في بلد ما إلا وحاول الاتصال به والرواية عنه كما بين الثاني. فلا نضيع الوقت لتركيز فضلته.

وآخرا، يؤيدها أيضا ما قال الرابع أيضا: "وأما الثانى وهو دراز، فقد ذكره في غير كتاب وذكر لقائه به، فتبين صحة روايته عنه من كلامه". ونقل الكاتب عن أبي الحجاج العلاوي قائلا: "الذي أثبتها هنا هو أحد من تلاميذ الفاداني وهو عارف بالإجازة. فينبغي لمن ينفى أن ياتي بحجة أقوى. والمثبت مقدم على النافي". ونقل أيضا عن يوسف المرعشلي: "ليس البحث في كتبي على عدم رواية الفاداني عن محمد فؤاد عبد الباقي". وزاد: "النفي يحتاج لدليل". والله تعالى أعلم بالصواب.

فالثاني، السماع الكامل لكتاب على شيخٍ مجيزٍ رزقٌ من الله تبارك وتعالى. وإن بذلنا جهدنا كل الجهد الشديد في اغتنام السماع الكامل في مجلس قراءة مع شيخ مجيز، فقدرة الله وإرادته قوق كل شيء.

وقد أحاول التزام سماع قراءة الكتاب اللطيف في مجلس يمكن الختم في المجلس الواحد بسرعة، لكن الله أعلم بالخير وعسى أن يبدل لي خير ما فاتني. فأحيانا انقطع كهرباء بيتي أثناء المجلس من الرعد الفادح القريب من البيت فانقطع به شبكة الإنترنيت حتى انقطع سماعي. ومشكلة الشبكة قد تحدث من غير ظنا بها. وأحيانا، عقد المجلس في ليل متأخر بتوقيت بلدي وغلبني عيني من النعس فانقطع سماعي الكامل. وأحيانا، عند التزامي بالسماع في مجلس، جاء مجلس آخر فجائي نادر جدا وآبى تفويته حتى أني لا بد من الخروج كارها له من المجلس الأول لأتابع المجلس الفجائي. وأحيانا انقطع البث المباشر أو تقطع في مواضع متفرقة عند من يذيعه حتى حصل الفوت العام عند الجمع الحاضرين عن البعد. وأحيانا نسيت وقت المجلس حتى تأخرت عن الحضور.

وغير ذلك مما يمنع السماع الكامل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قدر الله وما شاء فعل. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت لا ينفع ذا الجد منك الجد.

فلا تلم نفسك ولا تحزن إن كان ذلك الفوت وراء استطاعتك. والله خير الرازقين وأعلم ما لا نعلم. بل، كثير من المسندين لا يحصل على السماع الكامل أو القراءة الكاملة لبعض الكتب اللطيفة. فمثلا محمد بنعزوز القاسمي الجزائري لم يسمع كاملا كتاب الأوائل العجلونية على عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. وفي الكنز الفريد وهو ثبت محمد مطيع الحافظ الدمشقي لم يقرأ الأربعين النووية كاملا على أبي الخير الميداني، بل لا يحصل على رواية الكتب التسعة قراءة كاملة أو سماعا كاملا. وفي طبقة السماع لكتاب الثلاثين التي عن الإمام أحمد في صحيح مسلم لابن المبرد، سمع أخ ولده حسن في آخر الحديث الخامس وأمه فاطمة في الحديث الثالث. وكذا ما يمكن أو تجد نحو هذا في المعجم المفهرس لابن حجر العسقلاني في بعض رواية الكتب اللطيفة. ورأيت النبيل بن سابق السبكي لا يستحيي من ذكر أفوات وقع فيها في مقدار سماعه وإن كان ذلك سماع كتاب لطيف.

وقصدي في ذكر هذا ليس أن يعيبهم من الفضلاء كما فعله بعض طلبة الرواة أثناء الظهور على السماع الناقص لمسند يريد أن يأخذ عنه روايته. وإني أردت تسلية من أصاب هذا النصيب وحزن به. وقد قال عبد الله بن علوي الحداد في حِكَمِه: "ولا تسلي المصاب بمثل ذكر من أصيب بمثل مصيبته". وأرجو من الأخوان ينتبهوا لأن السماع الكامل رزق من الله. وإن فاتنا شيء من السماع، فادع الله أن يعطي خيرا من ذلك.

وأقول أيضا أن الرواية بالسماع النقص خير من الرواية بمجرد الإجازة. وهذا لا ينكره أحد من أهل الفن. بل، قال ابن حجر العسقلاني في نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: "ويكون اعتناؤه بتكثيرِ المَسموعِ أَوْلى مِن اعتنائِهِ بتكثيرِ الشُّيوخِ". بل، قال بعضهم ولا ينكره أحد أن الرواية بالسماع نازلة خير من الرواية بالإجازة عالية. وأنت من صاحب الحظ الذي فاز بالسماع بحمد ربنا العلي العظيم، خصوصا السماع لكتب غريبة نادرة جدا لقرائتها أو صعبة جدا في عقد مجلس سماعه وثم من هَمَّ أشد همٍّ بالسماع على مسند ولو سماعا ناقصا، لكن لا يفوز به حتى اليوم ولا يزرقه الله. والله المستعان.

فالثالث، قد ذكرت أن مقصد رواية الأسانيد تبرك بمسلسة وِرَاثة الكتاب المتصلة جيلا بعد جيل إلى أيدي قراءه اليوم، لا جمعها وحده. فروايتها أيضا قد يكون سببا لتعريفنا بالعلماء الذين كانوا من الرواة في الأسانيد. وأنا نفسي عرفت بعض ذريات النبي المختار صلى الله عليه وآله وبارك وسلم كما صلى وبارك على إبراهيم وعلى آله في العالمين إنك حميد مجيد من الأجلاء بنظري إلى الأسماء فيها وأبدأ التدقيق في معرفتي إياه والبحث عن كتبه إن وجد. وكذلك العلماء الآخرين. فالحمد لله على وصلني إلى العلماء بالرواية.

فأما توضيح مزية هذه الأمة بالإسناد المتصلة المسلسة وأهميته وفضائله وأعمال الفضلاء في طلبها وتفصيله، فقد بحثها كثير من الكتب وفصّلها عدد من العلماء قديما أو حديثا ولا أريد إعادة ما يتاح وخاصة في مقدمة الثبت. فللاتبداء، ليقرأْ من اهتم به كتاب الوجازة في الأثبات والإجازة لذياب بن سعد بن علي بن حمدان بن محفوظ آل حمدان وكتاب الإجازات العلمية في نجد دراسة ننظرية واستقرائية لهشام بن محمد بن سليمان السعيد والرسالة اللطيفة لوحيد بن عبد السلام بالي في فوائد مجلس السماع وكتاب فتح الرب العلي إلى مرويات وأسانيد الفيومي لعاطف بن محمد بن عبد العز السلمي الفيومي وكتاب موجز ثبت الدرر الغالية في رواية الأسانيد الدمشقية العالية لمحمد صالح الخطيب القادري الحسني الدمشقي.

إني أنبِّهُ نفسي والقراء أن الإجازة ليست بشعوذة في تحويل أحد من جاهل إلى عالم وسفيه إلى فقيه ولا تزكية أنه عالم أو فقيه أو بارع أو عارف بكتاب أو راسخ، فضلا عن الصالح أو فاضل أو ولي لله. فإنما هذه تحصل بالمجاهدة والصبر الجميل وطول المدة في المطالعة والتعلم وحضور المجالس والاستقامة في العمل والتهذيب وكثرة التتبع وسعة الدراسة والإخلاص في ابتغاء وجه الله. فلينظر أسماء العلماء الذين كانوا من الرواة في الأسانيد. كيف فازوا وحصل أعلى الدرجات؟ أهم يقنعون بالإجازة قط؟ إن كان تلقي الإجازة لم يحصل أحدٌ مثل أولئك، فلا يتفخرنَّ بكثرة الإجازة وطرق الأسانيد، بل كل من تلك لا تفيده من شيء! بل، يجب الاستحياء عنه من طلبها أو أخذها وهو لا يسعى كمن تقدم من الرواة العظماء من العلماء والفضلاء! اللهم جنبنا من الذين هكذا!

فلست إني في مقام المجيز خيرٌ وأحسنُ علما وفهما وحفظ وبراعة وفضلا من المجاز والمستجيز والقارئ الكرماء. لكن أحب أن أنشر هذه البركة بذكر أسماء العلماء الذي كونه سببا لمعرفتنا إياهم وزيادة حبنا عليهم وأوالي ما عمله المتقدمين والمعاصرين من النبلاء والأجلاء. فلا يحسبنَّ أحد من المجازين والمستجزين والقراء أن لي قوة عليا في العلم والعبادة والزهد والورع وَهْمًا على كثرة الإجازات من مشايخي وطرق الأسانيد مني فلا يغتر بها فلا ثم فلا وإياه وإياه! أستغفر الله على ذنوبي وقصوري.

ولا أستحيي أن أصرح بأني لم أقرأْ من قبل بعض كتب مجاز بها، بل لم أعلم بذلك قطعا حتى عقد مجلس روايته عليَّ لأن بعضه حصلت على الإجازة المجردة أو اشتماله من الإجازة العامة من شيخي بالإجازة دون توجه خاص إليه كحضور مجلس القراءة والتعليم أو التدريس أو البيان مثل مجلس الدورة. وأحاول بعون الله وتوفيفه قراءة التي حصلتها قبل المجلس وأرجو من ذلك المجلس إن لم أقرأه قبله زيادة علم ما لم أعلم به من قبل وأسأل الله أن يغفر لي ما قدمت وأخرت وأن يجبرني في قصوري.

وربما طلب مني مستجير أو غيره عقد المجلس الخاص قراءة أو سماعا أو تدريسا ليكون تحملهم به سماعا رواية ودراية أو مجرد تحصيل بركة مجلس العلم والرواية. أرحبه بأهلا وسهلا، لكن أحضره على كون حالي تلميذا أو طالبا للعلم أو مساهم له، لا مدرسا ولا شيخا ولا معلما ولا قائدا له. أحيانا إلى علوم المجاز المستجيز والقارئ وفوئدهمم أفتقر أشد افتقارا. إني لست من العلماء لهم جسارة راسخة على التصدر في عقد مجلس العلم. والعلوم الدينية أمر صعب يضيق قلبي كلما دعيت إلى مقعد الكبير ولا يتصدر فيه إلا من له زاد أجم وفقه متين. فلست أنا من ذلك، لكن أرجو أن يرفع درجاتي في العلم والعمل والإخلاص وأن يرزقني يا أرحم الراحمين ويا مجيب دعوة الداعي إذا دعى فهما واطد لكي أبين الحق بالبديهة وأنشر فوائد العلوم للناس كلهم دون كأداء.

والرابع، المقصد الأعلى في التعلم بالكتاب والدراسة والتعليم والبيان هو علم وفهم، لا الإجازة وحدها. فلا تفيد من شيء أحدا لا يراجعه ولا يطالعه ولا يزيد قراءته ولا يجهد في تمكين فهمه. رُبَّ من تعلم بالكتاب بدون الإجازة أفقه ممن رواه بطرق كثيرة من الإجازة المجردة أو مع السماع فقط. فلا يستغنين بأسانيدها وحدها ولا يشتغلن بها. استقم في التعلم وإن لم يَرْوِهِ شيخ أو معلم أو مدرس أو مصنف نفسه شيئا.

وللأسف، أن بعض طلاب العلم لا يرغب في التعلم وحضور مجلس التعليم أو التدريس أو البيان إن علم أنهم ليس له هدية يطلبها، فضلا عن مصاحبتهم. فعنده العلم والفهم أقل قيمة وأخف أهمية! بل عنده العلم والفهم لا فائدة إلا تابعهما الإجازة والسند المتصل. بل، آذاهم مباشرةً أو غير مباشرة وهو واع أو لا في طلب الإجازة صريحا أو غيره كلما عقدوا مجلس العلم أو التعليم أو التدريس أو البيان وهم في شنآنٍ يسبحون إن لم يكن لهم شيئا! فكلما عقد المجلس، فأول ما بباله إجازة بالسند، لا علم وفهم وحسن مصاحبتهم. وقد أساء أدبه معهم وحرم على نفسه علما نافعا وفهما حسنا!

فالعلماء وراثة الأنبياء وذلك الشخص وارث الإجازة والأسانيد فحسب! والذين رووا أسانيد الكتب المسلسلة المتصلة إلى منتهاه أغلبهم ليسوا من أسفل السافلين مثل ذلك الشخص. انظر الحافظ أحمد الغماري وأخيه عبد الله وآله رحمة الله عليهم. انظر الأمير الكبير والمرتضى الزبيدي والجلال السيوطي وزكريا الأنصاري وابن حجر العسقلاني وغيرهم ممن قام في مدار الإسناد جزاهم الله خير الجزاء. أين مكانتهم في العلم والفهم والصلاحة والورع والعبادة والزهد والعمل والجهود من السفهاء الحاشدون هبوطا في جمع الأسانيد والتفاخر بها والمتنافس في مقارنة بين الناس في مستواهم؟

فرُبَّ الشيخ أو المعلم أو المدرس قد تسلسل فهمه إلى صاحب الكتاب غير مباشرة بأسماء الأسانيد ويتأثر علمه كما ورث من تقدم بدون سرد الأسانيد صريحا. فاللؤلؤ والمرجان في الكتاب هو العلم والفهم، لا الأسانيد. والمنظومة البيقونية لا يدرى من مؤلفه. قال الزرقاني في شرحها عن البيقوني صاحبها: "ولم أقف له على اسم ولا ترجمة ولا ما هو منسوب إليه". لكن علمها جرت منفعته ويستمر بذلك جيلا بعد جيل. وكذا صاحب متن البناء والأساس للمولى ملا عبد الله الدتفزي وكذا شارح لا يعرف اسمه كتاب أيها الولد للإمام الغزالي. فافطن له يا نفسي وطلاب العلم!

وانظر إلى ما قال محمود سعيد ممدوح في كتاب تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع: الفائدة الثامنة. المقصود الأعلى من الاشتغال بالحديث النبوي الشريف هو الجمع بين معريفتي الإسناد والمتن على طريقة المجتهدين وهم درجات. وهذه هي الدرجة العليا وهي على مراتب ودونها معرفة المقبول والمردود وما يلزم لذلك من أدوات كمعرفة القواعد والرجال والعلل والتاريخ والملل والنحل مع المقدرة على النظر الاستقلالي. وأدون منهما ما يقال له الْمُسْنِدُ وهم درجات وهو المشتغل بتحصيل طرق الإسناد إلى الصحاح والسنن والمصنفات والجوامع والمشيخات وكتب الفنون الأخرى والتعريف على لطائف الإسناد من مصافحة وإبدال وموافقة وتمييز العالي من النازل وتحصيل جملة وافرة من كتب الأثبات والفهارس والتميز فيها وتحمل المسلسلات بشروطها.

وقد كنت مشتغلا بهذا النوع الثالث دون اقتصار عليه مقبلا عليه. وفي سنة ١٤٠١ جمعنى مجلس خاص في دار العلوم بمكة المكرمة ضم سيدي عبد الله بن الصديق الغماري وشقيقه سيدي عبد العزيز عليهما الرحمة والرضوان-. وكنت أذكر بعض العوالي المتصلة بعدد أثبات المتأخرين كالروداني والكوراني والبصري والعجيمي. فالتفت إلي سيدي عبد العزيز بن الصديق قائلا: "ما هذا يا شيخ محمود؟ تروي ثبت فلان بعلو وبينك وبين البصري ست وسائط وأعلى ما عندك للأمير والشنواني والشرقاوي ثلاثة وسائط بالعامة وبأربعة وسائط إلى ثبت فلان؟ ما فائدة هذا في الحديث؟ وما هي المحصَّلة النهائية من ذلك؟ إن المقصود من دراسة علوم الإسناد أن تعرف القواعد والرجال والعلل وتعرف الصحيح والسقيم ومن العيب أن تكون في مكتبة كبرية وتترك النظر في علل الدارقطني وتاريخ بغداد ونصب الراية وتقصر نفسك على أثبات الأمير والدمنتي والشنواني".

إلى نحو من هذا الكلام العالى والنصائح الكافية وطلب مني أن أكتفي بما عندي من أسانيد وسلسلات وضرب أمثلة لبعض من عاصرهم من الذين اشتغلوا بالإجازات والفهارس وقصروا أنفسهم عليها فخسروا كثيرا. ومن ذلك الوقت قبضت يدي عن هذا الفن واكتفيت بما عندي من شيوخ واكتفيت بالاتقاء ولم أتوجه لتصنيف كبير في الأثبات والفهارس. وتوجهت للأهم، ثم الاشتغال بالحديث لمعرفة المقبول والمردود. فشرح الله تعالى صدري لتحقيق قواعده والاشتغال بعلله والبحث في رجاله. والحمد لله على توفيقي ورضي الله عن مشايخي. انتهى الكلام.

إذن، إن فطن أحد لما أبرز محمود سعيد ممدوح هذا، فلا يخطر بباله أن الإسناد المسلسل مقدم على العلم والفهم وهو لا يتأذى إن لم يحصل الإجازة وأيضا يظهر له أن المناقشة عن رواية الفاداني عن محمد فؤاد عبد الباقي ليست من جانب كبير من المباحثة في علم الحديث وقلة المنفعة للاشتغال بها أو تكاد عدمها، فضلا عن التنازع فيها بين الناس. فعرضت المناقشة في هذه إبداءَ أنموذج على ما حدث من عبث لا يعنيه وردا على من بعد هذا ينكب على التفتيش في ما ليس مجاله في الحديث ويُعْمِله لغيره ولا يليق به.

فالخامس، أوصيك أيها القارئ بقراءة تأليفي " Isu Pengijazahan Dan Isnadisasi Pada Masa Kini" إن عرفت اللغة الملايوية. فيه حوار ومناقشة وتوجيه وبحث عن رأيي ونظري في قضايا الرواية والإجازة في هذا العصر على سبيل جديد لا يسبقنى أحد ولا معاصري. وبعضهما أفكار ونتائج خالفتا كثيرا من الناس، بل كلَّهم من العاملين والمسند والمحدث في طريقة الإجازة بالإسناد وبعضهما لا يخطران ببال أحد حتى المتخصصين بها وبعضهما متعلق بما كتبت هنا من قضايا الإجازة والرواية.

فالسادس، قال بعض المسندين والمجيزين من الفضلاء في آخر نص الإجازة بعد سرد أسماء مشايخه وبعض أسانيده وصيةً عند الإجازة أن لا ينساهم المجازون وأهلَهم. إني رأيت أن هذا سبب لاشتهارهم وبقاء أسماءهم في طول الزمان عندما سرد الأسانيد من بعدهم من تلاميذهم أو المجازبن عامة. وأتذكر قول الله سبحانه في ذكر دعاء خليله إبراهيم عليه السلام في سورة الشعراء الآية ٨٤: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}. فالوصية رجاء لله أن يجعل لهم لسان صدق في ما بعده من الزمان والجيل، فلا حرج عليه أن يسأله عز وجل المشتهر بالعلم والصلاحة وغيرهما من الأعمال الصالحة ما دام لا تشتغل نفسه برياء وسمعة وكبر ورجاء لمعاينة الناس إياها دون مصلحة الدين والإخلاص للعلي العظيم.

وأنا أيضا أسلك هذا المسلك كما سلكه الفضلاء المتقدمين بتأليف هذا الكتاب لجمع الإجازات والمرويات وأرجو الله أن هذا الكتاب من أفراد الكتب التي لا مثيل له فيها وروايتِه للناس المعتنين به. لعلي داخل فيما سأله خليلنا إبراهيم عليه السلام. ولست تركت هذا الكتاب وحده. إني قد تركت المؤلفات الخاصة الرأسية التي قد جمعتها نحو الكتاب في العقيدة وأصول الفقه والفقه والحديث والحوار الإسلامي العام في تنوع المسائل والمشاكل باللغة الملايوية كما تتاح في وسائل التواصل لي وأوصى بأن لا يقتصر القراء على هذا الكتاب، بل مؤلفاتي الأخرى وعسى أن تكون لها استفادة القراء والمباحثة النافعة الناضجة في رأيي وتوجيهي واستدلالي واستنباطي وفكرتي ومنهجي وبخاصة يحسنون باللغة الماليزية.

ولم أك من العلماء الذين يصلح لي أن أتعالى عن أهل عصري من الأجلاء والفوقة كما فعل أحمد الغماري في كتاب البحر العميق في مرويات ابن الصديق وأخيه عبد الله في كتاب سبيل التوفيق في ترجمة عبد الله ابن الصديق وأخيه أيضا عبد العزيز في كتاب تعريف المتأسي بأحوال نفسي إلا قليلا بعيدا عما به ظفروا. إنما أقتدي بما عمله آل الغماري في الشكر لله بتحدث نعمته والوصية بأن لا ينساهم المجازون موافقا ما سأله تبارك وتعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام. والله المستعان وإلى الله ترحع الأمور.

فنسأله أن يجعلنا من العلماء الذين يرثون الأنبياء في علمهم وسننهم وأن يسلسل بركته علينا كما سلسلت الأسانيد وأن يجمعنا مع الصديقين والشهداء والصالحين كما جُمِعَ العلماء والفضلاء في أسانيد المرويات بلطفه وبجلاله وبرحمته وبفضله. اللهم آمين!

صاحبكم أمير كظم بن محمد الماليزي وطنًا وإقامةً الحنبلي مذهبا في العقيدة السلفي منهجا دينيا. وأما إضافة محمد في اسمي، فسَمَّى الحاضرين الذين ليس اسمه محمد إياهم وأنا منهم زكريا بنُ أحمد بن الحاج حسن بن الطالب الحلبي في مجلس سماع كتاب جياد المسلسلات للجلال السيوطي ليحصلوا على رواية المسلسل بالمحمدين وقال زكريا قد سمى شيخ لا أذكر اسمه أيضا إياه محمدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق